Loading... calender -- clock -- location الرياض

عرفات.. في التراث اللغوي

عرفات.. في التراث اللغوي

بقلم: أ.د رياض حسن الخوام

يغلب على الألفاظ الدينية أن تكثر الدراسات حولها، لقداستها، ولكثرة استعمالها، وعرفات من هذه الألفاظ التي حظيت بدراسات متعددة مفيدة، لقد تضمنت هذه اللفظة الزمان والمكان، وذلك وقالوا: عرفات، والموقف، وعرفة، من غير أن تسبق بيوم، يريدون  لكثرة استعمالها (زمانا ومكانا ) قالوا: يوم  عرفة، يريدون به الزمان، بها المكان ، وكثرت أيضا الدراسات الشرعية حول دلالة هذه اللفظة (الزمكانية ).

لقد تحدث في مقتضياتها الفقهاء والمحدثون والوعاظ، كل حسب وجهته وأهدافه، فهي الركن الأهم من أركان الحج، والكل يعرف أن الحج عرفة

وتحدث عنها اللغويون أحاديث ماتعة متنوعة: 

فحددوا _ أولا _ هذه البقعة المباركة فهي ذلك الجبل الذي يقف عليه الحجيج ونقل عن ابن عباس قوله: حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبالها إلى قصر آل مالك، ووادي عرفة وهي قرية فيها مزارع وخضر و مباطخ، و بها دور حسنة لأهل مكة ينزلونها يوم عرفة ، وهي تبعد عن مكة اثني عشر ميلا ومساحتها 12 كلم من الشمال إلى الجنوب، و 5 كلم من الشرق إلى الغرب .

وتحدثوا _ثانياً_ عن الفرق بين عرفة وعرفات فنقل عن الفراء قوله: إن قول الناس اليوم يوم عرفة مولد ليس بعربي محض والظاهر أن مراد الفراء هو أن استعمال ) يوم عرفة ( كان متأخرا، وأن عرفة وعرفات مترادفان، وقد نقل عن كثير من العلماء أنهم جعلوا يوم عرفة للزمان وعرفات للمكان، والرأي المتجه أنهما كلمتان مترادفتان تدلان على هذه البقعة المباركة فإن سبقت بلفظ يوم دلت على الزمان الحاصل في هذه البقعة المباركة.

وأشار أهل اللغة _ ثالثاً_ إلى بعض الاشتقاقات التي اشتقت من هذه اللفظة واستعملت، يقال عرف القوم إذا وقفوا بعرفة، والتعريف: هو الوقوف بعرفة، والمعرف: هو موقف عرفات أي هو اسم مكان.

وتحدثوا _ رابعاً_ عن بعض خصائص هذه اللفظة قالوا: هو واحد جاء على لفظ الجمع وسمي به هذا المكان المبارك . وقال بعضهم: إن عرفات جمع عرفة ، كأنهم جعلوا كل موضع منها عرفة ثم جمعوه على عرفات، فهي الآن جمع سميت به هذه البقعة المباركة.

وبينوا _ خامساً_ أن هذه الكلمة معرفة لا تدخلها الألف واللام، لأنها علم على هذه البقعة، وهي ممنوعة من الصرف للتأنيث والعلمية وقالوا عن التنوين اللاحق به إنه تنوين المقابلة، وليس بتنوين صرف، وقالت العرب: هذه عرفات مباركا فيها مما يدل على تأنيثها أيضا، لأنهم أشاروا إليها ( بهذه ) ولقولهم ( فيها ) ولم يقولوا: فيه، وقيل: إن تنوينه تنوين صرف ، وهي مصروفة في كتاب الله، وذلك في قوله تعالى ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام )_ البقرة 198 _ والكلام حول هذا الخلاف يطول في هذه العجالة، ويطلب من كتب النحاة .

ثم عرجوا _سادساً_ إلى بيان حقيقة اللفظة من جهة الاشتقاق وعدمه فورد عنهم رأيان:

1) ذهب الزمخشري إلى أن هذه اللفظة مرتجلة، أي أطلقت على هذه البقعة ابتداء أي ليست مشتقة من شيء.

2) ورأى كثير من العلماء أنه مشتق، وكثرت أقوالهم حول سبب تسمية هذه البقعة المباركة بذلك مشيرين إلى اشتقاقاتها

منها.

* أن آدم عليه السلام تعارف هو وحواء عليهما السلام بها لأن هبوطه كان بوادي (سرنديب)كما قال أبو حيان وهبوطها كان بجدة ، وأمره الله ببناء الكعبة ، فجاء ممتثلا ، فتعارفا بهذه البقعة.

 *وقيل: سميت  بذلك لمعرفة إبراهيم  عليه السلام بهاجر وإسماعيل بها ، وذلك لأن سارة كانت قد أخرجت إسماعيل  في غيبة إبراهيم، فانطلق في طلبه حتى وجده وأمه بعرفات.

*وقيل سميت بذلك لأن العرب ٍ تسمي ما علا من الأرض عرفات وعرفة، ومنه عرف الديك لعلوه، وعرفات مرتفع  على جميع جبال الحجاز.

*وقيل:سميت  بذلك لأن جبريل  عليه السلام عرف بها ، روى  الطفيل عن ابن عباس قوله: إنما سميت  عرفات، لأن جبريل كان  يقول لإبراهيم عليهما السلام: هذا موضع  كذا، فيقول: عرفت، وقد عرفت، فلذلك سميت ٍ عرفات .ُ

*وقيل: سميت  بذلك لأن الناس يتعارفون بها.

*وقيل: سميت ِ بذلك لاشتقاقها من العرِف، بكسر العين 

أو ضمها وهو الصبر،  وذلك لأن الحجاج يكابدون في الوصول إليها ويصبرون على وعثاء السفر للوقوف فيها.

*وقيل: سميت  بذلك لأن سيدنا إبراهيم  عليه السلام عرف في ليلة عرفة  أن الرؤيا التي رآها ليلة  يوم التروية بذبح ولده كانت من الله.

*وقيل: سميت  بذلك لأن الناس يعترفون بذنوبهم في ذلك الموقف

*وقيل: هو مشتق من العرِف، وهو الرائحة الطيبة، فلعله سمي بذلك لروائح كانت تنبعث من أشجاره ونباتاته فضلا عن قربه من (نعمان الأراك) الذي قال البكري عنه هو (وادي عرفة دونها الى منى وهو كثير الأراك بل إن ابن عطية جعله عرفة أيضا قال: وعرفة  هي نعمان الأراك () ولا يغيب  عن بالنا بيت  النميري الذي يتض ُوع منه المسك عبر العصور:

اتتضوع  مسكا بطن  نعمان أْن مشت

به زينـــــب  في نســــوة  خِفـــــرت

والأشعار التي ذِكرفيها شجر الأراك  في هذا الوادي كثيرة ، منها ما قاله الفرزدق: دعون  بقضبان الأ راك  التي جنى لها الركب  من نعمان أيام عرفوا توا عرفات، وقال ابن أبي ربيعة: تخيرت من نعمان عودأ اراكة لهند ولكن من يبلغه هندا. وأخيرا  لا مانع  من القول: إن اجتماع هذه الأسباب كلها كان سببا لتسمية هذه البقعة بعرفات.

هذا ما أحببنا عرضه في هذه العجالة، نسأل الله الغفران والقبول، وأن يجعل موقف عرفات موقف حب ووئام بين جميع المسلمين، اللهم آمين.

فهرس المصادر

  • البحر العميق، للضياء الحنفي ، تحقيق الدكتور: عبدالله مزي، المكتبة المكية الطبعة الأولى ـ1427ه ـ2006م2البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، نشر مطابع النصر الحديثة، الرياض.

  • تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار، دار العلم للملايين ، بيروت لبنان ، 1399هـ4.تفسير أبي السعود ، دار إحياء التراث ، بيروت لبنان.

  • الدر المنثور للسيوطي ، تحقيق: الدكتور عبدالله التركي مع

  • مركز هجر للبحوث ، الطبعة الأولى، 1424 هجري 2003م

  • روح المعاني للآلوسي ، دار الفكر ، 1398ه1987م.

  • الروض المعطار يف خبر الأقطار لمحمد الحميري، تحقيق: الدكتور إحسان عباس ، مكتبة لبنان بيروت.

  • عدة الإنابة في أماكن الإجابة ، للمحجوب المكي ، تحقيق: الدكتور عبدالله مزي، المكتبة المكية ، الطبعة الأولى ،1429هـ..

  • القاموس المحيط للفيروز أبادي ، الطبعة الثانية ، مصطفى البابي الحلبي وأوالده، مصر، 1371ه1952م.

  • الكشاف الزمخشري ، عناية خليل مأمون شيحا، دار المعرفة ، لبنان، الطبعة الأولى، 1423ه2002م.

  • لسان العرب لابن منظور، تحقيق: عبدالله علي الكبير وزمالئه، دار المعارف، مصر.

  • المحرر الوجيز لابن عطية، تحقيق: الأنصاري وآخرين ، الدوحة قطر ، الطبعة الأولى ، 1409هجري 1988م.

  • المخصص البن سيده، دار الفكر للطباعة والنشر، القاهرة.

  • المصباح المنير للفيومي ، توزيع دار الباز ، مكة المكرمة.

  • معاني القرآن للنحاس ، تحقيق: الشيخ محمد علي الصابوني،

  • مطبوعات جامعة أم القرى ، الطبعة الأولى، 1408هجري 1988م.

  • معجم البلدان لياقوت الحموي ، دار صابر ودار بيروت ، 1371هـ.

  • معجم ما استعجم للبكري تحقيق: مصطفى السقا، عالم الكتب بيروت.

  • منائح الكرم في أخبار مكة والبيت، للسنجاري ، تحقيق: الدكتور جميل المصري، جامعة أم القرى، الطبعة الأولى، 1419هجري 1998م.

  • المنتخب من غريب كلام العرب لكراع، تحقيق: الدكتور محمد العمري ، جامعة أم القرى ، مركز البحث العلمي ،الطبعة الأولى،1409هجري 1989م.



هل كانت هذه الصفحة مفيدة؟ نعم لا

من فضلك أخبرنا بالسبب (حدد خيارين كحد أقصى)

إغلاق Close

ابحث هنا